اللغة جسر إلى القلوب والعقول      

  La Langue Est Le Chemin  Qui Mène Aux  Coeurs Et Espris       

لاحظت أن تعليم اللغة الإنكليزية تحول إلى صناعة وتجارة ثقافيتين مربحتين. تمتلئ الجامعات ومراكز اللغة في الصيف بالدارسين وتُعَدُّ النّصوصُ الإنجليزية في كل المستويات إعداداً دقيقا تستخدم فيه المفردات والتعابير المناسبة لكل مستوى، كما تعد نسخ خاصة من الروايات والمسرحيات المشهورة تتناسب مع المستويات المختلفة.

ليس غريباً أنّ من يعاشر قوما لابدّ وأن يحبهم، لأنه يكتشف إنسانيتهم وحضارتهم العلمية والأدبية والفنية وأخلاقهم ومبادئهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى من يتعلم لغة قوم، فكأنه يعاشرهم، فاللغة سجل حضارتهم ومآثرهم.

تعلم مثقفونا لغات الغرب وتشبعوا بحضارتهم، ورأوا مزاياهم وعيوبهم فتغاضوا عن العيوب لأنها بشرية، وأسقطوا الأحكام المسبقة عنهم، ومدّوا جسوراً لهم إلى قلوبنا وعقولنا. لكن هذه الجسور ظلت معلّقة لأنها من طرف واحد، ولم نستطع، رغم انتشار جالياتنا في بلادهم، أن نمدّ جسورا إلى قلوبهم وعقولهم. لم نصنع شيئا للحضارة في الحاضر فنفرض نفسنا به على الغرب علميّاً أو طبّياً، فقد دخلنا في سبات وسكون وبيات شتوي وصيفي استمر قرونا، وما زال روّاد النهضة يحاولون إيقاظنا من سباتنا وتحريكنا من سكوننا وإخراجنا من بياتنا. ولم ننافسهم في الألعاب الأولمبية بما يلفت نظرهم إلينا. ولا يعرفون لغتنا ليقرأوا أدبنا ويستوعبوا فنوننا.

أما مساهمتنا السابقة في الحضارة فتصل إليهم مشوهة ومزيفة. نظرتهم إلينا مليئة بالحذر والريبة والأحكام المسبقة، فأصحاب المصالح الاستعمارية والعنصرية قدموا لشعوبهم صورة مشوهة عن تاريخنا وديننا ولغتنا وضخموا عيوبنا. وساعدهم على ذلك ممارسات بعض الجهلة منا من متطرفين متزمتين أو منحلين، حتى أن بعض أفراد مجتمعنا ممن أتقنوا لغات الغرب وجهلوا لغتهم وثقافتهم تأثروا بما قيل عنا فكرهونا، وكرهوا ذواتهم معنا ورددوا طروحات خصومنا، وحاولوا أن ينسلخوا عنا أو أن يجعلوا منا مسخا مشوها عن الغرب.

من السهل أن تمتد هذه الجسور المعلقة إلى قلوب الغربيين وعقولهم إن تعلم بعضهم لغتنا، فاللغة تقرب المسافات بين الشعوب، فتتهاوى الأحكام المسبقة، وتنهار الادعاءات المضللة. هل يمكن أن نطور تعليم اللغة العربية للأجانب، ونقيم لهم دورات صيفية في بلداننا العربية، ونشجع الاستشراق الجديد على أساس سياحي لا استعماري، فيأتون للسياحة وتعلم اللغة وكثير منهم يرغبون في ذلك؟ وتبقى المنافسة بيننا وبينهم قائمة، ولكن على أساس من التسامح وفهم الآخر.

                              عبد الله خمّار               

                            من رواية "جرس الدّخول إلى الحصّة"                      

العطلة الصيفية:  اللغة جسر إلى القلوب والعقول